الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)
.جَوَازُ صُلْحِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى مَا يُرِيدُ الْإِمَامُ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالثّيَابِ وَغَيْرِهَا: وَمِنْهَا: جَوَازُ صُلْحِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى مَا يُرِيدُ الْإِمَامُ مِنْ الْأَمْوَالِ وَمِنْ الثّيَابِ وَغَيْرِهَا وَيُجْرَى ذَلِكَ مَجْرَى ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُفْرِدَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجِزْيَةٍ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ جِزْيَةً عَلَيْهِمْ يَقْتَسِمُونَهَا كَمَا أَحَبّوا وَلَمّا بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مَعَافِرِيّا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ أَنّ أَهْلَ نَجْرَانَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْلِمٌ وَكَانُوا أَهْلَ صُلْحٍ وَأَمّا الْيَمَنُ فَكَانَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ وَكَانَ فِيهِمْ يَهُودُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَضْرِبَ الْجِزْيَةَ عَلَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَالْفُقَهَاءُ يَخُصّونَ الْجِزْيَةَ بِهَذَا الْقِسْمِ دُونَ الْأَوّلِ وَكِلَاهُمَا جِزْيَةٌ فَإِنّهُ مَالٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْكُفّارِ عَلَى وَجْهِ الصّغَارِ فِي كُلّ عَامٍ..جَوَاز ثُبُوتِ الْحُلَلِ فِي الذّمّةِ: مِنْهَا: جَوَازُ ثُبُوتِ الْحُلَلِ فِي الذّمّةِ كَمَا تَثْبُتُ فِي الدّيَةِ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ ثُبُوتُهَا فِي الذّمّةِ بِعَقْدِ السّلَمِ وَبِالضّمَانِ وَبِالتّلَفِ كَمَا تَثْبُتُ فِيهَا بِعَقْدِ الصّدَاقِ وَالْخُلْعِ. وَمِنْهَا: أَنّهُ يَجُوزُ مُعَاوَضَتُهُمْ عَلَى مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ بِغَيْرِهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِحِسَابِهِ. وَمِنْهَا: اشْتِرَاطُ الْإِمَامِ عَلَى الْكُفّارِ أَنْ يُؤْوُوا رُسُلَهُ وَيُكْرِمُوهُمْ وَيُضَيّفُوهُمْ أَيّامًا مَعْدُودَةً..جَوَازُ اشْتِرَاطِ الْإِمَامِ عَلَى الْكُفّارِ عَارِيَةَ مَا يَحْتَاجُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِ: وَمِنْهَا: جَوَازُ اشْتِرَاطِهِ عَلَيْهِمْ عَارِيَةَ مَا يَحْتَاجُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِ مِنْ سِلَاحٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ حَيَوَانٍ وَأَنّ تِلْكَ الْعَارِيَةَ مَضْمُونَةٌ لَكِنْ هَلْ هِيَ مَضْمُونَةٌ بِالشّرْطِ أَوْ بِالشّرْعِ؟ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَقَدْ تَقَدّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَقَدْ صَرّحَ هَاهُنَا بِأَنّهَا مَضْمُونَةٌ بِالرّدّ وَلَمْ يَتَعَرّضْ لِضَمَانِ التّلَفِ..لَا يُقِرّ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى الرّبَا وَالسّكْرِ وَغَيْرِهِمَا: وَمِنْهَا: أَنّ الْإِمَامَ لَا يُقِرّ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى الْمُعَامَلَاتِ الرّبَوِيّةِ لِأَنّهَا حَرَامٌ فِي دِينِهِمْ وَهَذَا كَمَا لَا يُقِرّهُمْ عَلَى السّكْر وَلَا عَلَى اللّوَاطِ وَالزّنَى بَلْ يَحُدّهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَمِنْهَا: أَنّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ رَجُلٌ مِنْ الْكُفّارِ بِظُلْمِ آخَرَ كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي حَقّ الْمُسْلِمِينَ وَكِلَاهُمَا ظُلْمٌ..لَا عَهْدَ لَهُمْ وَلَا ذِمّةَ إذَا غَشّوا الْمُسْلِمِينَ وَأَفْسَدُوا فِي دِينِهِمْ: وَمِنْهَا: أَنّ عَقْدَ الْعَهْدِ وَالذّمّةِ مَشْرُوطٌ بِنُصْحِ أَهْلِ الْعَهْدِ وَالذّمّةِ وَإِصْلَاحِهِمْ فَإِذَا غَشّوا الْمُسْلِمِينَ وَأَفْسَدُوا فِي دِينِهِمْ فَلَا عَهْدَ لَهُمْ وَلَا ذِمّةَ وَبِهَذَا أَفْتَيْنَا نَحْنُ وَغَيْرُنَا فِي انْتِقَاضِ عَهْدِهِمْ لَمّا حَرَقُوا الْحَرِيقَ الْعَظِيمَ فِي دِمَشْقَ حَتّى سَرَى إلَى الْجَامِعِ وَبِانْتِقَاضِ عَهْدِ مَنْ وَاطَأَهُمْ وَأَعَانَهُمْ بِوَجْهٍ مَا بَلْ وَمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْفَعُوا إلَى وَلِيّ الْأَمْرِ فَإِنّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْغِشّ وَالضّرَرِ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ...بَعْثُ الْإِمَامِ الرّجُلَ الْأَمِينَ الْعَالمْ إلَى أَهْلِ الْهُدْنَةِ فِي مَصْلَحَةِ الْإِسْلَامِ: وَمِنْهَا: بَعْثُ الْإِمَامِ الرّجُلَ إلَى أَهْلِ الْهُدْنَةِ فِي مَصْلَحَةِ الْإِسْلَامِ وَأَنّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَمِينًا وَهُوَ الّذِي لَا غَرَضَ لَهُ وَلَا هَوًى وَإِنّمَا مُرَادُهُ مُجَرّدُ مَرْضَاةِ اللّهِ وَرَسُولِهِ لَا يَشُوبُهَا بِغَيْرِهَا فَهَذَا هُوَ الْأَمِينُ حَقّ الْأَمِينِ كَحَالِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ. وَمِنْهَا: مُنَاظَرَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَجَوَابُهُمْ عَمّا سَأَلُوهُ عَنْهُ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَى الْمَسْئُولِ سَأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ..يُحْمَلُ الْكَلَامُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى ظَاهِرِهِ: وَمِنْهَا: أَنّ الْكَلَامَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ حَتّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ وَإِلّا لَمْ يُشْكِلْ عَلَى الْمُغِيرَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أُخْتَ هَارُونَ هَذَا وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ حَتّى يَلْزَمَ الْإِشْكَالُ بَلْ الْمَوْرِدُ ضَمّ إلَى هَذَا أَنّهُ هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ حَتّى ضَمّ إلَيْهِ أَنّهُ أَخُو مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَمَعْلُومٌ أَنّهُ لَا يَدُلّ اللّفْظُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِيرَادُهُ إيرَادٌ فَاسِدٌ وَهُوَ إمّا مِنْ سُوءِ الْفَهْمِ أَوْ فَسَادِ الْقَصْدِ..بَيَانُ أَنّ أَهْلَ نَجْرَانَ صِنْفَانِ نَصَارَى وَأُمّيّونَ وَقِصّةُ بَعْثِ خَالِدٍ إلَيْهِمْ: وَأَمّا قَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ: إنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى أَهْلِ نَجْرَانَ لِيَجْمَعَ صَدَقَاتِهِمْ وَيَقْدَمَ عَلَيْهِ بِجِزْيَتِهِمْ فَقَدْ يُظَنّ أَنّهُ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ لِأَنّ الصّدَقَةَ وَالْجِزْيَةَ لَا تَجْتَمِعَانِ وَأَشْكَلُ مِنْهُ مَا يَذْكُرُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ أَوْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ عَشْرٍ إلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ بِنَجْرَانَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ فَخَرَجَ خَالِدٌ حَتّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ فَبَعَثَ الرّكَابَ يَضْرِبُونَ فِي كُلّ وَجْهٍ وَيَدْعُونَ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ النّاسُ وَدَخَلُوا فِيمَا دُعُوا إلَيْهِ فَأَقَامَ فِيهِمْ خَالِدٌ يُعَلّمُهُمْ الْإِسْلَامَ وَكَتَبَ بِذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُقْبِلَ وَيُقْبِلَ إلَيْهِ بِوَفْدِهِمْ وَقَدْ تَقَدّمَ أَنّهُمْ وَفَدُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَلْفَيْ حُلّةٍ وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابَ أَمْنٍ وَأَنْ لَا يُغَيّرُوا عَنْ دِينِهِمْ وَلَا يُحْشَرُوا وَلَا يُعْشَرُوا. وَجَوَابُ هَذَا: أَنّ أَهْلَ نَجْرَانَ كَانُوا صِنْفَيْنِ نَصَارَى وَأُمّيّينَ فَصَالَحَ النّصَارَى عَلَى مَا تَقَدّمَ وَأَمّا الْأُمّيّونَ مِنْهُمْ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَأَسْلَمُوا وَقَدِمَ وَفْدُهُمْ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ الّذِي قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَ كُنْتُمْ تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ؟ قَالُوا: كُنّا نَجْتَمِعُ وَلَا نَتَفَرّقُ وَلَا نَبْدَأُ أَحَدًا بِظُلْمٍ. قَالَ صَدَقْتُمْ وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ قَيْسَ بْنَ الْحُصَيْنِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ. فَقَوْلُهُ بَعَثَ عَلِيّا إلَى أَهْلِ نَجْرَانَ لِيَأْتِيَهُ بِصَدَقَاتِهِمْ أَوْ جِزْيَتِهِمْ أَرَادَ بِهِ الطّائِفَتَيْنِ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ صَدَقَاتِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَجِزْيَةَ النّصَارَى..فَصْلٌ فِي قُدُومِ رَسُولِ فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْجُذَامِيّ: مَلِكِ عَرَبِ الرّومِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو الْجُذَامِيّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَسُولًا بِإِسْلَامِهِ وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَانَ فَرْوَةُ عَامِلًا لِلرّومِ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْعَرَبِ وَكَانَ مَنْزِلُهُ مَعَانَ وَمَا حَوْلَهُ مِنْ أَرْضِ الشّامِ فَلَمّا بَلَغَ الرّومُ ذَلِكَ مِنْ إسْلَامِهِ طَلَبُوهُ حَتّى أَخَذُوهُ فَحَبَسُوهُ عِنْدَهُمْ فَلَمّا اجْتَمَعَتْ الرّومُ لِصَلْبِهِ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ عَفْرَاءُ بِفِلَسْطِين قَالَ:قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَعَمَ الزّهْرِيّ أَنّهُمْ لَمّا قَدّمُوهُ لِيَقْتُلُوهُ قَالَ: ثُمّ ضَرَبُوا عُنُقَهُ وَصَلَبُوهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ يَرْحَمُهُ اللّهُ تَعَالَى. .فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ: عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ فَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَعَقَلَهُ ثُمّ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيّكُمْ ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَقَالَ مُحَمّدٌ؟ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ إنّي سَائِلُك وَمُغْلِظٌ عَلَيْك فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَا تَجِدَن فِي نَفْسِك. فَقَالَ لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي فَسَلْ عَمّا بَدَا لَك فَقَالَ أَنْشُدُكَ اللّهَ إلَهَك وَإِلَهَ أَهْلِكَ وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَك وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَك آللّهُ بَعَثَك إلَيْنَا رَسُولًا؟ قَالَ اللّهُمّ نَعَمْ قَالَ فَأَنْشُدُكَ اللّهَ إلَهَك وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَك وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَك آللّهُ أَمَرَك أَنْ نَعْبُدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَأَنْ نَخْلَعَ هَذِهِ الْأَنْدَادَ الّتِي كَانَ آبَاؤُنَا يَعْبُدُونَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ نَعَمْ ثُمّ جَعَلَ يَذْكُرُ فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ فَرِيضَةً فَرِيضَةً الصّلَاةَ وَالزّكَاةَ وَالصّيَامَ وَالْحَجّ وَفَرَائِضَ الْإِسْلَامِ كُلّهَا يَنْشُدُهُ عِنْدَ كُلّ فَرِيضَةٍ كَمَا نَشَدَهُ فِي الّتِي قَبْلَهَا حَتّى إذَا فَرَغَ قَالَ فَإِنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَسَأُؤَدّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ وَأَجْتَنِبُ مَا نَهَيْتِنِي عَنْهُ لَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى بَعِيرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ وَلّى: إنْ يَصْدُقْ ذُو الْعَقِيصَتَيْنِ يَدْخُلْ الْجَنّةَ وَكَانَ ضِمَامٌ رَجُلًا جَلْدًا أَشْعَرَ ذَا غَدِيرَتَيْنِ ثُمّ أَتَى بَعِيرَهُ فَأَطْلَقَ عِقَالَهُ ثُمّ خَرَجَ حَتّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَكَانَ أَوّلَ مَا تَكَلّمَ بِهِ أَنْ قَالَ بِئْسَتِ اللّاتُ وَالْعُزّى فَقَالُوا: مَهْ يَا ضِمَامَ اتّقِ الْبَرَصَ وَالْجُنُونَ وَالْجُذَامَ. قَالَ وَيْلَكُمْ إنّهُمَا مَا يَضُرّانِ وَلَا يَنْفَعَانِ إنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولًا وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا اسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِمّا كُنْتُمْ فِيهِ وَإِنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَإِنّي قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ فَوَاَللّهِ مَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي حَاضِرَتِهِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إلّا مُسْلِمًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَمَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَالْقِصّةُ فِي الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِنَحْوِ هَذِهِ. وَذِكْرُ الْحَجّ فِي هَذِهِ الْقِصّةِ يَدُلّ عَلَى أَنّ قُدُومَ ضِمَامٍ كَانَ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجّ وَهَذَا بَعِيدٌ فَالظّاهِرُ أَنّ هَذِهِ اللّفْظَةَ مُدْرَجَةٌ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الرّوَاةِ وَاللّهُ أَعْلَمُ..فَصْلٌ فِي قُدُومِ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَقَوْمِه عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: رُوِينَا فِي ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيّ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدّادٍ قَالَ حَدّثَنِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ طَارِقُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ إنّي لَقَائِمٌ بِسُوقِ الْمَجَازِ إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ عَلَيْهِ يَا أَيّهَا النّاسُ قُولُوا: لَا إلَهَ إلّا اللّه تُفْلِحُوا وَرَجُلٌ يَتْبَعُهُ يَرْمِيهِ بِالْحِجَارَةِ يَقُولُ يَا أَيّهَا النّاسُ لَا تُصَدّقُوهُ فَإِنّهُ كَذّابٌ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا غُلَامٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ الّذِي يَزْعُمُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ قَالَ قُلْتُ مَنْ هَذَا الّذِي يَفْعَلُ بِهِ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا عَمّهُ عَبْدُ الْعُزّى قَالَ فَلَمّا أَسْلَمَ النّاسُ وَهَاجَرُوا خَرَجْنَا مِنْ الرّبَذَةِ نُرِيدُ الْمَدِينَةَ نَمْتَارُ مِنْ تَمْرِهَا فَلَمّا دَنَوْنَا مِنْ حِيطَانِهَا وَنَخْلِهَا قُلْنَا: لَوْ نَزَلْنَا فَلَبِسْنَا ثِيَابًا غَيْرَ هَذِهِ فَإِذَا رَجُلٌ فِي طِمْرَيْنِ لَهُ فَسَلّمَ وَقَالَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلَ الْقَوْمُ؟ قُلْنَا: مِنْ الرّبَذَةِ. قَالَ وَأَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قُلْنَا: نُرِيدُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ قَالَ مَا حَاجَتُكُمْ فِيهَا؟ قُلْنَا: نَمْتَارُ مِنْ تَمْرِهَا. قَالَ وَمَعَنَا ظَعِينَةٌ لَنَا وَمَعَنَا جَمَلٌ أَحْمَرُ مَخْطُومٌ فَقَالَ أَتُبِيعُونَ جَمَلَكُمْ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ قَالَ فَمَا اسْتَوْضَعْنَا مِمّا قُلْنَا شَيْئًا فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْجَمَلِ فَانْطَلَقَ فَلَمّا تَوَارَى عَنّا بِحِيطَانِ الْمَدِينَةِ وَنَخْلِهَا قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا وَاَللّهِ مَا بِعْنَا جَمَلَنَا مِمّنْ نَعْرِفُ وَلَا أَخَذْنَا لَهُ ثَمَنًا قَالَ تَقُولُ الْمَرْأَةُ الّتِي مَعَنَا: وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا كَأَنّ وَجْهَهُ شِقّةُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ أَنَا ضَامِنَةٌ لِثَمَنِ جَمَلِكُمْ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ قَالَتْ الظّعِينَةُ فَلَا تَلَاوَمُوا فَلَقَدْ رَأَيْتُ وَجْهَ رَجُلٍ لَا يَغْدِرُ بِكُمْ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ مِنْ وَجْهِهِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ فَقَالَ أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْكُمْ هَذَا تَمْرُكُمْ فَكُلُوا وَاشْبَعُوا وَاكْتَالُوا وَاسْتَوْفُوا فَأَكَلْنَا حَتّى شَبِعْنَا وَاكْتَلْنَا وَاسْتَوْفَيْنَا ثُمّ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النّاسَ فَأَدْرَكْنَا مَنْ خُطْبَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ تَصَدّقُوا فَإِنّ الصّدَقَةَ خَيْرٌ لَكُمْ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السّفْلَى أُمّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاك وَأَدْنَاكَ أَدْنَاكَ إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي يَرْبُوعٍ أَوْ قَالَ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ لَنَا فِي هَؤُلَاءِ دِمَاءٌ فِي الْجَاهِلِيّةِ فَقَالَ إنّ أُمّا لَا تَجْنِي عَلَى وَلَدٍ ثَلَاثَ مَرّاتٍ..فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ تُجِيبَ: وَقَدِمَ عَلَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ تُجِيبَ وَهُمْ مِنْ السّكُونِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا قَدْ سَاقُوا مَعَهُمْ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ الّتِي فَرَضَ اللّهُ عَلَيْهِمْ فَسُرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهِمْ وَأَكْرَمَ مَنْزِلَهُمْ وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ سُقْنَا إلَيْك حَقّ اللّهِ فِي أَمْوَالِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رُدّوهَا فَاقْسِمُوهَا عَلَى فُقَرَائِكُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا قَدِمْنَا عَلَيْك إلّا بِمَا فَضَلَ عَنْ فُقَرَائِنَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا وَفَدَ مِنْ الْعَرَبِ بِمِثْلِ مَا وَفَدَ بِهِ هَذَا الْحَيّ مَنْ تُجِيبَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ الْهُدَى بِيَدِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ فَمَنْ أَرَادَ بِهِ خَيْرًا شَرَحَ صَدْرَهُ لِلْإِيمَانِ وَسَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَشْيَاءَ فَكَتَبَ لَهُمْ بِهَا وَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ عَنْ الْقُرْآنِ وَالسّنَنِ فَازْدَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهِمْ رَغْبَةً وَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُحْسِنَ ضِيَافَتَهُمْ فَأَقَامُوا أَيّامًا وَلَمْ يُطِيلُوا اللّبْثَ فَقِيلَ لَهُمْ مَا يُعْجِبُكُمْ؟ فَقَالُوا: نَرْجِعُ إلَى مَنْ وَرَاءَنَا فَنُخْبِرُهُمْ بِرُؤْيَتِنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَلَامِنَا إيّاهُ وَمَا رَدّ عَلَيْنَا ثُمّ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُوَدّعُونَهُ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ بِلَالًا فَأَجَازَهُمْ بِأَرْفَعَ مَا كَانَ يُجِيزُ بِهِ الْوُفُودَ. قَالَ هَلْ بَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ. غُلَامٌ خَلّفْنَاهُ عَلَى رِحَالِنَا هُوَ أَحْدَثُنَا سِنّا قَالَ أَرْسِلُوهُ إلَيْنَا فَلَمّا رَجَعُوا إلَى رِحَالِهِمْ قَالُوا لِلْغُلَامِ انْطَلِقْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاقْضِ حَاجَتَك مِنْهُ فَإِنّا قَدْ قَضَيْنَا حَوَائِجَنَا مِنْهُ وَوَدّعْنَاهُ فَأَقْبَلَ الْغُلَامُ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي امْرُؤٌ مِنْ بَنِي أَبْذَى يَقُولُ مِنْ الرّهْطِ الّذِينَ أَتَوْك آنِفًا فَقَضَيْتَ حَوَائِجَهُمْ فَاقْضِ حَاجَتِي يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ وَمَا حَاجَتُك؟ قَالَ إنّ حَاجَتِي لَيْسَتْ كَحَاجَةِ أَصْحَابِي وَإِنْ كَانُوا قَدِمُوا رَاغِبِينَ فِي الْإِسْلَامِ وَسَاقُوا مَا سَاقُوا مِنْ صَدَقَاتِهِمْ وَإِنّي وَاَللّهِ مَا أَعْمَلَنِي مِنْ بِلَادِي إلّا أَنْ تَسْأَلَ اللّهَ عَزّ وَجَلّ أَنْ يَغْفِرَ لِي وَيَرْحَمَنِي وَأَنْ يَجْعَلَ غِنَايَ فِي قَلْبِي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقْبَلَ إلَى الْغُلَامِ اللّهُمّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَاجْعَلْ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ثُمّ أَمَرَ لَهُ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَانْطَلَقُوا رَاجِعِينَ إلَى أَهْلِيهِمْ ثُمّ وَافَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمَوْسِمِ بِمِنًى سَنَةَ عَشْرٍ فَقَالُوا: نَحْنُ بَنُو أَبْذَى فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا فَعَلَ الْغُلَامُ الّذِي أَتَانِي مَعَكُمْ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ قَطّ وَلَا حُدّثْنَا بِأَقْنَعَ مِنْهُ بِمَا رَزَقَهُ اللّهُ لَوْ أَنّ النّاسَ اقْتَسَمُوا الدّنْيَا مَا نَظَرَ نَحْوَهَا وَلَا الْتَفَتَ إلَيْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَمْدُ لِلّهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ يَمُوتَ جَمِيعًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَوَ لَيْسَ يَمُوتُ الرّجُلُ جَمِيعًا يَا رَسُولَ اللّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَشَعّبُ أَهْوَاؤُهُ وَهُمُومُهُ فِي أَوْدِيَةِ الدّنْيَا فَلَعَلّ أَجَلَهُ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَوْدِيَةِ فَلَا يُبَالِي اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي أَيّهَا هَلَكَ قَالُوا: فَعَاشَ ذَلِكَ الْغُلَامُ فِينَا عَلَى أَفْضَلِ حَالٍ وَأَزْهَدِهِ فِي الدّنْيَا وَأَقْنَعِهِ بِمَا رُزِقَ فَلَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ عَنْ الْإِسْلَامِ قَامَ فِي قَوْمِهِ فَذَكّرَهُمْ اللّهَ وَالْإِسْلَامَ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ يَذْكُرُهُ وَيَسْأَلُ عَنْهُ حَتّى بَلَغَهُ حَالُهُ وَمَا قَامَ بِهِ فَكَتَبَ إلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ يُوصِيهِ بِهِ خَيْرًا..فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ بَنِي سَعْدِ هُذَيْمٍ مِنْ قُضَاعَةَ: قَالَ الْوَاقِدِيّ عَنْ أَبِي النّعْمَانِ عَنْ أَبِيهِ مِنْ بَنِي سَعْدِ هُذَيْمٍ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَافِدًا فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي وَقَدْ أَوْطَأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْبِلَادَ غَلَبَةً وَأَدَاخَ الْعَرَبَ وَالنّاسُ صِنْفَانِ إمّا دَاخِلٌ فِي الْإِسْلَامِ رَاغِبٌ فِيهِ وَإِمّا خَائِفٌ مِنْ السّيْفِ فَنَزَلْنَا نَاحِيَةً مِنْ الْمَدِينَةِ ثُمّ خَرَجْنَا نَؤُمّ الْمَسْجِدَ حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى بَابِهِ فَنَجِدُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّي عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقُمْنَا نَاحِيَةً وَلَمْ نَدْخُلْ مَعَ النّاسِ فِي صَلَاتِهِمْ حَتّى نَلْقَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنُبَايِعَهُ ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَظَرَ إلَيْنَا فَدَعَا بِنَا فَقَالَ مَنْ أَنْتُمْ؟ فَقُلْنَا: مِنْ بَنِي سَعْدِ هُذَيْمٍ فَقَالَ أَمُسْلِمُونَ أَنْتُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ فَهَلّا صَلّيْتُمْ عَلَى أَخِيكُمْ؟ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ ظَنَنّا أَنّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَنَا حَتّى نُبَايِعَك فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْنَمَا أَسْلَمْتُمْ فَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ قَالُوا: فَأَسْلَمْنَا وَبَايَعْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ ثُمّ انْصَرَفْنَا إلَى رِحَالِنَا قَدْ خَلّفْنَا عَلَيْهَا أَصْغَرَنَا فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَبِنَا فَأُتِيَ بِنَا إلَيْهِ فَتَقَدّمَ صَاحِبُنَا إلَيْهِ فَبَايَعَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ أَصْغَرُنَا وَإِنّهُ خَادِمُنَا فَقَالَ أَصْغَرُ الْقَوْمِ خَادِمُهُمْ بَارَكَ اللّهُ عَلَيْهِ قَالَ فَكَانَ وَاَللّهِ خَيْرَنَا وَأَقْرَأَنَا لِلْقُرْآنِ لِدُعَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُ ثُمّ أَمّرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْنَا فَكَانَ يَؤُمّنَا وَلَمّا أَرَدْنَا الِانْصِرَافَ أَمَرَ بِلَالًا فَأَجَازَنَا بِأَوَاقٍ مِنْ فِضّةٍ لِكُلّ رَجُلٍ مِنّا فَرَجَعْنَا إلَى قَوْمِنَا فَرَزَقَهُمْ اللّهُ الْإِسْلَامَ.
|